فصل: باب ما جاء في توبة القاتل والتشديد في القتل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ما جاء في توبة القاتل والتشديد في القتل

1 - عن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أبا داود‏.‏

2 - وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي اللّه عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

4 - وعن معاوية قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ كل ذنب عسى اللّه أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏ ولأبي داود من حديث أبي الدرداء كذلك‏.‏

حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا البيهقي وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وقد روي عن الزهري مرسلًا أخرجه البيهقي من طريق فرح بن فضالة عن الضحاك عن الزهري يرفعه وفرح ضعيف وقد قواه أحمد‏.‏ وبالغ ابن الجوزي فذكر الحديث في الموضوعات وسبقه إلى ذلك أبو حاتم فإنه قال في العلل‏:‏ إنه باطل موضوع‏.‏

وقد رواه أبو نعيم في الحلية من طريق حكيم بن نافع عن خلف بن حوشب عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن المسيب سمعت عمر فذكره وقال‏:‏ تفرد به حكيم عن خلف‏.‏ ورواه الطبراني من حديث ابن عباس نحوه وأورده ابن الجوزي من طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري بلفظ‏:‏ ‏(‏يجيء القاتل يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة اللّه‏)‏ وأعله بعطية ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة قال الحافظ‏:‏ ومحمد لا يستحق أن يحكم على أحاديثه بالوضع فأما عطية فضعيف لكن حديثه يحسنه الترمذي إذا توبع‏.‏ وحديث معاوية جميع رجال إسناده ثقات ويشهد له ما في هذا الباب من الأحاديث القاضية بعدم المغفرة للقاتل‏.‏ وحديث أبي الدرداء الذي أشار إليه المصنف لفظه قال أبو الدرداء‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ كل ذنب عسى اللّه أن يغفره إلا من مات مشركًا أو مؤمن قتل مؤمنًا متعمدًا‏)‏ وروى أبو داود أيضًا عن عبادة بن الصامت أنه روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله لم يقبل اللّه منه صرفًا ولا عدلًا‏)‏ قال الخطابي‏:‏ فاغتبط أي فقتله بغير سبب وفسره يحيى بن يحيى الغساني بأنه الذي يقتل صاحبه في الفتنة فيرى أنه على هدى لا يستغفر اللّه من ذلك‏.‏ وهذان الحديثان سكت عنهما أبو داود والمنذري في مختصر السنن ورجال إسناد كل واحد منهما موثقون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أول ما يقضى بين الناس‏)‏ الخ فيه دليل على عظم ذنب القتل لأن الابتداء إنما يكون بالأهم وعائد الموصول محذوف والتقدير أول ما يقضى فيه ويجوز أن تكون مصدرية ويكون تقديره أول قضاء في الدماء أو يكون المصدر بمعنى اسم المفعول أي أول مقضي فيه الدماء‏.‏

وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏أول ما يحاسب العبد عليه صلاته‏)‏ وأجيب بأن الأول يتعلق بمعاملات العباد والثاني بمعاملات اللّه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ على أن النسائي أخرجهما في حديث واحد أورده من طريق أبي وائل عن ابن مسعود رفعه‏:‏ ‏(‏أول ما يحاسب العبد به الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء‏)‏ وقد استدل بحديث ابن مسعود الأول المذكور على أن القضاء يختص بالناس ولا يكون بين البهائم وهو غلط لأن مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس وليس فيه نفي القضاء بين البهائم مثلًا بعد القضاء ين الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ابن آدم الأول‏)‏ وهو قابيل عند الأكثر وعكس القاضي جمال الدين بن واصل في تاريخه فقال اسم المقتول قابيل اشتق من قبول قربانه وقيل اسمه قابن بنون بدل اللام بغير ياء وقيل قبن مثله بغير ألف‏.‏ وعن الحسن لم يكن ابن آدم المذكور وأخوه المقتول من صلب آدم وإنما كانا من بني إسرائيل أخرجه الطبري‏.‏ وعن مجاهد أنهما كانا ولدي آدم لصلبه وهذا هو المشهور وهو الظاهر من حديث الباب لقوله الأول أي أول من ولد لآدم، ويقال أنه لم يولد لآدم في الجنة غيره وغير توأمته ومن ثم فخر على أخيه هابيل فقال نحن من أولاد الجنة وأنتم من أولاد الأرض ذكر ذلك ابن إسحاق في المبتدأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كفل من دمها‏)‏ بكسر الكاف وسكون الفاء وهو النصيب وأكثر ما يطلق على الأجر كقوله تعالى ‏{‏كفلين من رحمته‏}‏ ويطلق على الاسم كقوله تعالى ‏{‏من يشفع شفاعة سيئة يكون له كفل منها‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأنه أول من سن القتل‏)‏ فيه دليل على أن من سن شيئًا كتب له أو عليه وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام وقد أخرج مسلم من حديث جرير‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة‏)‏ وهو محمول على من لم يتب من ذلك الذنب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشطر كلمة‏)‏ قال الخطابي‏:‏ قال ابن عيينة‏:‏ مثل أن يقول اق من قوله اقتل وفي هذا من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره فإذا كان شطر الكلمة موجبًا لكتب الإياس من الرحمة بين عيني قائلها فكيف بمن أراق دم المسلم ظلمًا وعدوانًا بغير حجة نيرة وقد استدل بهذا الحديث وبحديث معاوية وأبي الدرداء المذكورين بعده على أنها لا تقبل التوبة من قاتل العمد وسيأتي بيان ما هو الحق إن شاء اللّه‏.‏

5 - وعن أبي بكرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار فقيل هذا القاتل فما بال المقتول قال‏:‏ قد أراد قتل صاحبه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

6 - وعن جندب البجلي‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينًا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال اللّه تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

7 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا‏)‏‏.‏

8 - وعن المقداد بن الأسود أنه قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللّه أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال‏:‏ أسلمت للّه أفأقتله يا رسول اللّه بعد أن قالها قال‏:‏ لا تقتله قال‏:‏ فقلت يا رسول اللّه إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال‏:‏ لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

9 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏لما هاجر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ورآه مغطيًا يديه فقال له‏:‏ ما صنع بك ربك قال‏:‏ غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ما لي أراك مغطيًا يديك قال‏:‏ قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ وليديه فاغفر‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فالقاتل والمقتول في النار‏)‏ قال في الفتح‏:‏ قال العلماء‏:‏ معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى اللّه إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء اللّه عفا عنهما أصلًا‏.‏ وقيل هو محمول على من استحل ذلك ولا حجة فيه للخوارج ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأنه لا يلزم من قوله القاتل والمقتول في النار استمرار بقائهما فيها واحتج به من لم ير القتال في الفتنة وهم كل من ترك القتال مع علي في حروبه كسعد ابن أبي وقاص وعبد اللّه بن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وغيرهم وقالوا يجب الكف حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه ومنهم من قال لا يدخل في الفتنة فإن أحد أراد قتله دفع عن نفسه انتهى‏.‏

ويدل على القول الآخر حديث أبي هريرة عند أحمد ومسلم وقد تقدم في باب دفع الصائل من كتاب الغصب وفيه أرأيت إن قاتلني قال‏:‏ قاتله‏.‏ ويدل على القول الأول ما تقدم من الأحاديث في باب الدفع لا يلزم المصول عليه من ذلك الكتاب‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصرة الحق وقتال الباغين وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق قال‏:‏ واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا اللّه عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا وأن المصيب يؤجر أجرين قال الطبري‏:‏ لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حق ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلًا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم ويقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء اهـ‏.‏

وقد أخرج البزار زيادة في هذا الحديث تبين المراد وهي ‏(‏إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار‏)‏ ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل كيف يكون ذلك قال‏:‏ الهرج القاتل والمقتول في النار‏)‏ قال القرطبي‏:‏ فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب دنيا أو إتباع هوى فهو الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددًا من الذين قاتلوا وكلهم متأول مأجور إن شاء اللّه بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا اهـ‏.‏ وهذا يتوقف على صحة نيات جميع المقتتلين في الجمل وصفين وإرادة كل واحد منهم الدين لا الدنيا وصلاح أحوال الناس لا مجرد الملك ومناقشة بعضهم لبعض مع علم بعضهم بأنه المبطل وخصمه المحق ويبعد ذلك كل البعد ولا سيما في حق من عرف منهم الحديث الصحيح أنها تقتل عمارًا الفئة الباغية فإن إصراره بعد ذلك على مقاتلة من كان معه عمار معاندة للحق وتماد في الباطل كما لا يخفى على منصف وليس هذا منا محبة لفتح باب المثالب على بعض الصحابة فإنا كما علم اللّه من أشد الساعين في سد هذا الباب والمنفرين للخاص والعام عن الدخول فيه حتى كتبنا في ذلك رسائل وقعنا بسببها مع المتظهرين بالرفض والمحبين له بدون تظهر في أمور يطول شرحها حتى رمينا تارة بالنصب وتارة بالانحراف عن مذاهب أهل البيت وتارة بالعداوة للشيعة وجاءتنا الرسائل المشتملة على العتاب من كثير من الأصحاب والسباب من جماعة من غير ذوي الألباب‏.‏ ومن رأي ما لأهل عصرنا من الجوابات على رسالتنا التي سميناها إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي وقف على بعض أخلاق القوم وما جبلوا عليه من عداوة من سلك مسلك الإنصاف وآثر نص الدليل على مذاهب الأسلاف وعداوة الصحابة الأخيار وعدم التقييد بمذاهب الآل الأطهار فإنا قد حكينا في تلك الرسالة إجماعهم على تعظيم الصحابة رضي اللّه عنهم وعلى برك السب لأحد منهم من ثلاث عشرة طريقًا وأقمنا الحجة على من يزعم أنه من أتباع أهل البيت ولا يتقيد بمذاهبهم في مثل هذا الأمر الذي هو مزلة أقدام المقصرين فلم يقابل ذلك بالقبول واللّه المستعان وأقول ‏:‏

إني بليت بأهل الجهل في زمن ** قاموا به ورجال العلم قد قعدوا

اهـ‏.‏

ومما يؤيد ما تقدم من التأويل للحديث المذكور ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة يرفعه‏:‏ ‏(‏من قاتل تحت راية عمية فغضب لغضبه أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية‏)‏ وقد قدمنا ما هو أبسط من هذا الكلام في باب دفع الصائل وباب أن الدفع لا يلزم المصول عليه من كتاب الغضب فراجعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل هذا القاتل فما بال المقتول‏)‏ القائل هو أبو بكرة كما وقع مبينًا في رواية مسلم ومعنى ذلك أن هذا القاتل قد استحق النار بذنبه وهو الإقدام على قتل صاحبه فما بال المقتول أي فما ذنبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال قد أراد قتل صاحبه‏)‏ في لفظ للبخاري في كتاب الإيمان‏:‏ ‏(‏إنه كان حريصا على قتل صاحبه‏)‏‏.‏ وقد استدل بذلك من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل وأجاب من لم يقل بذلك أن في ذلك فعلًا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد ويؤيد هذا حديث‏:‏ ‏(‏إن اللّه تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا‏)‏‏.‏

قال في الفتح‏:‏ والحاصل أن المراتب ثلاث الهم المجرد وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به واقتران الفعل بالهم أو بالعزم ولا نزاع في المؤاخذة به والعزم وهو أقوى من الهم وفيه النزاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتوجأ‏)‏ أي يضرب بها نفسه وحديث جندب البجلي وأبي هريرة يدلان على أن من قتل نفسه من المخلدين في النار فيكون عموم إخراج الموحدين مخصصًا بمثل هذا وما ورد في معناه كما حققنا ذلك مرارًا‏.‏ وظاهر حديث جابر المذكور يخالفهما فإن الرجل الذي قطع براجمه بالمشاقص ومات من ذلك أخبر بعد موته الرجل الذي رآه في المنام بأن اللّه تعالى غفر له ووقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم التقرير لذلك بل دعا له ويمكن الجمع بأنه لم يرد قتل نفسه بقطع البراجم وإنما حمله الضجر وما حل به من المرض على ذلك بخلاف الرجل المذكور في حديث جندب فإنه قطع يده مريد القتل نفسه وعلى هذا فتكون الأحاديث الواردة في تخليد من قتل نفسه في النار وتحريم الجنة عليه مقيدة بأن يكون مريدًا للقتل‏.‏

وقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏شهدنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لرجل ممن يدعي الإسلام‏:‏ هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل قتالًا شديدًا فأصابه جراح فقيل‏:‏ يا رسول اللّه الذي قلت آنفًا إنه من أهل النار قد قاتل قتالًا شديدًا وقد مات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إلى النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل له‏:‏ إنه لم يمت ولكن به جراحة شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فأخذ ذباب سيفه فتحامل عليه فقتل نفسه فأخبر بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ اللّه أكبر أشهد أني عبد اللّه ورسوله ثم أمر بلالًا فنادى في الناس‏:‏ إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن اللّه تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر‏.‏ وأخرج أبو داود من حديث جابر بن سمرة قال‏:‏ أخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم برجل قتل نفسه فقال‏:‏ لا أصلي عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت إن لقيت رجلًا‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏إني لقيت كافرًا فاقتتلنا فضرب يدي فقطعها‏)‏ وظاهرها أن ذلك وقع والذي في نفس الأمر بخلافه وإنما سأل المقداد عن الحكم في ذلك لو وقع كما في حديث الباب‏.‏ وفي لفظ للبخاري في غزوة بدر بلفظ‏:‏ ‏(‏أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار‏)‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم لاذ مني بشجرة‏)‏ أي التجأ إليها‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ثم لاذ بشجرة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أسلمت للّه‏)‏ أي دخلت في الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله‏)‏ قال الكرماني‏:‏ القتل ليس سببًا لكون كل منهما بمنزلة الآخر لكنه عند النحاة مؤول بالأخبار أي هو سبب لإخباري لك بذلك وعند البيانيين المراد لازمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته‏)‏ قال الخطابي‏:‏ معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصان الدم كالمسلم فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحًا بحق القصاص كالكافر بحق الدين وليس المراد إلحاقه به في الكفر كما يقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة وحاصله اتحاد المنزلتين مع اختلاف المأخذ أي إنه مثلك في صون الدم وإنك مثله في الهدر‏.‏ ونقل ابن التين عن الداودي أن معناه أنك صرت قاتلًا كما كان هو قاتلًا وهذا من المعاريض لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه وإنما أراد أن كلًا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرًا بقتله إياه ونقل ابن بطال عن المهلب أن معناه أنك بقصدك لقتله عمدًا آثم كما كان هو بقصده لقتلك آثمًا فأنتما في حالة واحدة من العصيان‏.‏ وقيل المعنى أنت عنده حلال الدم قبل أن يسلم كما كان عندك حلال الدم قبل ذلك وقيل معناه أنه مغفور له بشهادة التوحيد كما أنك مغفور لك بشهادة بدر‏.‏

ونقل ابن بطال عن ابن القصار أن معنى قوله وأنت بمنزلته أي في إباحة الدم وإنما قصد بذلك ردعه وزجره عن قتله لأن الكافر إذا قال أسلمت حرم قتله وتعقب بأن الكافر مباح الدم والمسلم الذي قتله إن لم يتعمد قتله ولم يكن عرف أنه مسلم وإنما قتله متأولًا فلا يكون بمنزلته في إباحة الدم‏.‏

وقال القاضي عياض‏:‏ معناه أنه مثله في مخالفة الحق وارتكاب الإثم وإن اختلف النوع في كون أحدهما كفرًا والآخر معصية واستدل بهذا الحديث على صحة إسلام من قال أسلمت للّه ولم يزد على ذلك‏.‏ وقد ورد في بعض طرق الحديث أنه قال‏:‏ ‏(‏لا اله إلا اللّه‏)‏ كما في صحيح مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاجتووا المدينة‏)‏ أي استوخموها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذ مشاقص‏)‏ جمع مشقص وقد تقدم تفسيره في باب من اطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم وقد تقدم أيضًا في الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏براجمه‏)‏ جمع برجمة بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم‏.‏ قال في القاموس‏:‏ وهي المفصل الظاهر أو الباطن من الأصابع والإصبع الوسطى من كل طائر أو هي مفاصل الأصابع كلها أو ظهور العصب من الأصابع أو رؤوس السلاميات إذا قبضت كفك نشزت وارتفعت اهـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشخبت‏)‏ بفتح الشين والخاء المعجمتين والباء الموحدة أي انفجرت يداه دمًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لن نصلح منك ما أفسدت‏)‏ فيه دليل على أن من أفسد عضوًا من أعضائه لم يصلح يوم القيامة بل يبقى على الصفة التي هي عليها عقوبة له‏.‏

10 - وعن عبادة بن الصامت‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه‏:‏ بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على اللّه ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره اللّه فهو إلى اللّه إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فلا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق‏)‏‏.‏

11 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال‏:‏ إنه قد قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة فقال‏:‏ لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال‏:‏ إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال‏:‏ نعم من يحول بينك وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون اللّه فاعبد اللّه معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبًا مقبلًا فقبله اللّه وقالت ملائكة العذاب‏:‏ إنه لم يعمل خيرًا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال‏:‏ قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

12 - وعن واثلة بن الأسقع قال‏:‏ ‏(‏أتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في صاحب لنا أوجب يعني النار بالقتل فقال‏:‏ اعتقوا عنه يعتق اللّه بكل عضو منه عضوًا منه من النار‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث واثلة أخرجه أيضًا النسائي وابن حبان والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحوله عصابة‏)‏ بفتح اللام على الظرفية‏.‏ والعصابة بكسر العين الجماعة من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها وقد جمعت على عصائب وعصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بايعوني‏)‏ المبايعة هنا عبارة عن المعاهدة سميت بذلك تشبيهًا بالمعاوضة المالية كما في قوله تعالى ‏{‏إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تقتلوا أولادكم‏)‏ قال محمد بن إسماعيل التيمي وغيره خص القتل بالأولاد لأنه قتل وقطيعة رحم فالعناية بالنهي عنه آكد ولأنه كان شائعًا فيهم وهو وأد البنات أو قتل البنين خشية الإملاق أو خصهم بالذكر لأنهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تأتوا ببهتان‏)‏ البهتان الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال يقع بهما إذا كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي ولذا يسمون الصنائع الأيادي وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحًا وبعضكم شاهد بعضًا كما يقول قلت كذا بين يدي فلان قاله الخطابي وقد تعقب بذكر الأرجل وأجاب الكرماني بأن المراد الأيدي وذكر الأرجل للتأكيد ‏(‏ومحصله‏)‏ أن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيًا فليس بمانع ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأرجل والأيدي القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء وقال أبو محمد بن أبي جمرة‏:‏ يحتمل أن يكون قوله بين أيديكم أي في الحال‏.‏ وقوله وأرجلكم أي في المستقبل لأن السعي من أفعال الأرجل وقال غيره‏:‏ أصل هذا كان في بيعة النساء وكني به كما قال الهروي عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلقطه إلى زوجها ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعصوا في معروف‏)‏ هو ما عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا قال النووي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد ولا تعصوني ولا أحدًا ولي الأمر عليكم في المعروف فيكون التقييد بالمعروف متعلقًا بشيء بعده وقال غيره‏:‏ نبه بذلك على أن طاعة المخلوق إنما تجب فيما كان غير معصية للّه فهي جديرة بالتوقي في معصية اللّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن وفى منكم‏)‏ أي ثبت على العهد ولفظ وفي بالتخفيف وفي رواية بالتشديد وهما بمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأجره على اللّه‏)‏ هذا على سبيل التفخيم لأنه لما ذكر المبالغة المقتضية لوجود العوض أثبت ذكر الأجر وقد وقع التصريح في رواية في الصحيحين بالعوض فقال بالجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو‏)‏ أي العقاب كفارة له قال النووي‏:‏ عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى ‏{‏إن اللّه لا يغفر أن يشرك به‏}‏ فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا بناء على أن قوله من ذلك شيئًا يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر‏.‏ وقد قيل يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث ومن أتى منكم حدًا إذ القتل على الشرك لا يسمى حدًا ويجاب بأن خطاب المسلمين لا يمنع التحذير لهم من الإشراك‏.‏

وأما كون القتل على الشرك لا يسمى حدًا فإن أراد لغة أو شرعًا فممنوع وإن أراد عرفًا فذلك غير نافع فالصواب ما قاله النووي وقال الطيبي‏:‏ الحق أن المراد بالشرك الشرك الأصغر وهو الرياء ويدل عليه تنكير شيئًا أي شركًا أيا ما كان‏.‏ وتعقب بأن عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك‏.‏

وقال القاضي عياض‏:‏ ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات واستدلوا بالحديث‏.‏

ومن العلماء من وقف لأجل حديث أبي هريرة الذي أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وهو صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله‏.‏ وقد وصله الحاكم من طريق آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب فقويت رواية معمر قال القاضي عياض‏:‏ لكن حديث عبادة أصح إسنادًا‏.‏

ويمكن الجمع بينهما بأن يكون حديث أبي هريرة ورد أولًا قبل أن يعلمه اللّه ثم أعلمه بعد ذلك وهذا جمع حسن لولا أن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة المذكور كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم البيعة الأولى بمنى وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر فكيف يكون حديثه متقدمًا ويمكن أن يجاب بأن أبا هريرة لم يسمعه من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قديمًا ولم يسمع من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمع عبادة ولا يخفى ما في هذا من التعسف على أنه يبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك ورجح الحافظ أن حديث عبادة المذكور لم يقع ليلة العقبة وإنما وقع في ليلة العقبة ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لمن حضر من الأنصار أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه‏)‏ وقد ثبت في الصحيح من حديث عبادة أنه قال‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره‏)‏ الحديث ساقه البخاري في كتاب الفتن من صحيحه وأخرج أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة أنها جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال‏:‏ يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على السمع والطاعة والنشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في اللّه لومة لائم وعلى أن ننصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة الحديث‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والذي يقوي أن هذه البيعة المذكورة في حديث عبادة وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة وهو قوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك‏}‏ ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف والدليل على ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود في حديث عبادة هذا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال قرأ النساء‏.‏ ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال فتلا علينا آية النساء قال‏:‏ ‏(‏أن لا يشركن باللّه شيئًا‏)‏ وللطبراني من هذا الحديث‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ما بايع عليه النساء يوم الفتح‏)‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏أخذ علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كما أخذ على النساء‏)‏ فهذه أدلة ظاهرة في هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور البيعة بل بعد فتح مكة وذلك بعد إسلام أبي هريرة بمدة وقد أطال الحافظ في الفتح الكلام في كتاب الإيمان على هذا فمن رام الاستكمال فليراجعه‏.‏

واعلم أن عبادة بن الصامت لم يتفرد برواية هذا المعنى بل روى ذلك علي ابن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه‏:‏ ‏(‏من أصاب ذنبًا فعوقب به في الدنيا فاللّه أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة‏)‏ وهو عند الطبراني بإسناد حسن ولفظه‏:‏ ‏(‏من أصاب ذنبًا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارة له‏)‏‏.‏

وللطبراني عن ابن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله اللّه كفارة لما أصاب من ذلك الذنب‏)‏ قال ابن التين‏:‏ يريد بقوله فعوقب به أي بالقطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة إلا أن يريد قتل النفس فكني عنه‏.‏

وفي رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ولكن قوله في حديث الباب فعوقب به هو أعم من أن تكون العقوبة حدًا أو تعزيرًا قال ابن التين وحكى عن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو ارداع لغيره وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق‏.‏

قال الحافظ‏:‏ بل وصل إليه حق وأي حق فإن المقتول ظلمًا تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان أن السيف محاء للخطايا‏.‏

وروى الطبراني عن ابن مسعود قال‏:‏ إذا جاء القتل محا كل شيء وللطبراني أيضًا عن الحسن بن علي نحوه‏.‏ وللبزار عن عائشة مرفوعًا‏:‏ لا يمر القتل بذنب إلا محاه فلولا القتل ما كفرت ولو كان حد القتل إنما شرع للارداع فقط لم يشرع العفو عن القاتل ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وهو قول الجمهور وقيل لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين وهو قول المعتزلة ووافقهم ابن حزم ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو إلى اللّه‏)‏ قال المازري‏:‏ فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخبرنا بأنه تحت المشيئة ولم يقل لا بد أن يعذبه وقال الطيبي‏:‏ فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد أو بالجنة لأحد إلا من ورد النص فيه بعينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه‏)‏ يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وإلى ذلك ذهبت طائفة وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة ومع ذلك لا يأمن من مكر اللّه لأنه لا إطلاع له هل قبلت توبته أم لا وقيل يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انطلق إلى أرض كذا وكذا‏)‏ الخ قال العلماء‏:‏ في هذا استحباب مفارقة التائب للمواضع التي أصاب بها الذنوب والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم وأن يستبدل بهم صحبة الخير والصلاح والمتعبدين الورعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نصف الطريق‏)‏ هو بتخفيف الصاد أي بلغ نصفها كذا قال النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال قيسوا ما بين الأرضين‏)‏ هذا محمول على أن اللّه أمرهم عند اشتباه الأمر عليهم واختلافهم فيه أن يحكموا رجلًا يمر بهم فمر الملك في صورة رجل فحكم بذلك‏.‏ وقد استدل بهذا الحديث على قبول توبة القاتل عمدًا‏.‏

قال النووي‏:‏ هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر والتورية لا أنه يعتقد بطلان توبته وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف فليس هذا موضع الخلاف وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقديره فإن ورد كان شرعًا لنا بلا شك وهذا قد ورد شرعنا به وذلك قوله تعالى ‏{‏والذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النفس‏}‏ إلى قوله ‏{‏إلا من تاب‏}‏ الآية وأما قوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها‏}‏ فقال النووي في شرح مسلم‏:‏ إن الصواب في معناها أن جزاءه جهنم فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره وقد لا يجازى بل يعفى عنه فإن قتل عمدًا مستحلًا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد يخلد في جهنم بالإجماع وإن كان غير مستحل بل معتقدًا تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدًا فيها لكن تفضل اللّه تعالى وأخبر أنه لا يخلد من مات موحدًا فيها فلا يخلد هذا ولكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلًا وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار قال‏:‏ فهذا هو الصواب في معنى الآية ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم وإنما فيها أنها جزاؤه أي يستحق أن يجازى بذلك وقيل وردت الآية في رجل بعينه وقيل المراد بالخلود طول المدة لا الدوام وقيل معناها هذا جزاؤه إن جازاه وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية ثم قال فالصواب ما قدمناه اهـ كلام النووي‏.‏ وينبغي أن نتكلم أولًا في معنى الخلود ثم نبين ثانيًا الجمع بين هذه الآية وبين ما خالفها فنقول معنى الخلود الثبات الدائم قال في الكشاف عند الكلام على قوله تعالى ‏{‏ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون‏}‏ ما لفظه‏:‏ والخلد الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع قال اللّه تعالى ‏{‏وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون‏}‏ وقال امرؤ القيس‏:‏

ألا أنعم صباحًا أيها الطل البالي ** وهل ينعمن من كان في العصر الخالي

وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ** قليل الهموم لا يبيت على حال

اهـ‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ وخلد خلودًا دام اهـ وأما بيان الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول لا نزاع أن قوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا‏}‏ من صيغ العموم الشاملة للتائب وغير التائب بل للمسلم والكافر والاستثناء المذكور في آية الفرقان أعني قوله تعالى ‏{‏إلا من تاب‏}‏ بعد قوله تعالى ‏{‏ولا يقتلون النفس التي حرم اللّه إلا بالحق‏}‏ مختص بالتائبين فيكون مخصصًا لعموم قوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا‏}‏ إما على ما هو المذهب الحق من أنه ينبني العام على الخاص مطلقًا تقدم أو تأخر أو قارن فظاهر وإما على مذهب من قال أن العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم فإذا سلمنا تأخر قوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا‏}‏ على آية الفرقان فلا نسلم تأخرها عن العمومات القاضية بأن القتل مع التوبة من جملة ما يغفره اللّه كقوله تعالى ‏{‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعًا‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏ ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب اللّه عليه‏)‏ وما أخرجه الترمذي وصححه من حديث صفوان بن عسال قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ باب من قبل المغرب يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة خلقه اللّه تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوح للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها‏)‏‏.‏

وأخرج الترمذي أيضًا عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن اللّه عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر‏)‏ وأخرج مسلم من حديث أبي موسى‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن اللّه عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها‏)‏ ونحو هذه الأحاديث مما يطول تعداده لا يقال إن هذه العمومات مخصصة بقوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا‏}‏ الآية‏.‏ لأنا نقول الآية أعم من وجه وهو شمولها للتائب وغيره وأخص من وجه وهو كونها في القاتل وهذه العمومات أعم من وجه وهو شمولها لمن كان ذنبه القتل ولمن كان ذنبه غير القتل وأخص من وجه وهو كونها في التائب وإذا تعارض عمومان لم يبق إلا الرجوع إلى الترجيح ولا شك أن الأدلة القاضية بقبول التوبة مطلقًا أرجح لكثرتها وهكذا أيضًا يقال إن الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب الحديث تدل على خروج كل موحد سواء كان ذنبه القتل أو غيره والآية القاضية بخروج من قتل نفسًا هي أعم من أن يكون القاتل موحدًا أو غير موحد فيتعارض عمومان وكلاهما ظني الدلالة ولكن عموم آية القتل قد عورض بما سمعته بخلاف أحاديث خروج الموحدين فإنها إنما عورضت بما هو أعم منها مطلقًا كآيات الوعيد للعصاة الدالة على الخلود الشاملة للكافر والمسلم ولا حكم لهذه المعارضة أو بما هو أخص منها مطلقًا كالأحاديث القاضية بتخليد بعض أهل المعاصي نحو من قتل نفسه وهو يبنى العام على الخاص وبما قررناه يلوح لك انتهاض القول بقبول توبة القاتل إذا تاب وعدم خلوده في النار إذا لم يتب ويتبين لك أيضًا أنه لا حجة فيما احتج به ابن عباس من أن آية الفرقان مكية منسوخة بقوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا‏}‏ الآية كما أخرج ذلك عنه البخاري ومسلم وغيرهما وكذلك لا حجة له فيهما أخرجه النسائي والترمذي عنه‏:‏ ‏(‏أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ يجيء المقتول متعلقًا بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دمًا يقول يا رب قتلني هذا حتى يدنيه من العرش‏)‏ وفي رواية للنسائي‏:‏ ‏(‏فيقول أي رب سل هذا فيما قتلني‏)‏ لأن غاية ذلك وقوع المنازعة بين يدي اللّه عز وجل وذلك لا يستلزم أخذ التائب بذلك الذنب ولا تخليده في النار على فرض عدم التوبة والتوبة النافعة ههنا هي الاعتراف بالقتل عند الوارث إن كان له وارث أو السلطان إن لم يكن له وارث والندم عن ذلك الفعل والعزم على ترك العود إلى مثله لا مجرد الندم والعزم بدون اعتراف وتسليم للنفس أو الدية إن اختارها مستحقها لأن حق الآدمي لا بد فيه من أمر زائد على حقوق اللّه وهو تسليمه أو تسليم عوضه بعد الاعتراف به‏.‏

فإن قلت فعلام تحمل حديث أبي هريرة وحديث معاوية المذكورين في أول الباب فإن الأول يقضي بأن القاتل أو المعين على القتل يلقى اللّه مكتوبًا بين عينيه الإياس من الرحمة والثاني يقضي بأن ذنب القتل لا يغفره اللّه – قلت - هما محمولان على عدم صدور التوبة من القاتل والدليل على هذا التأويل ما في الباب من الأدلة القاضية بالقبول عمومًا وخصوصًا ولو لم يكن من ذلك إلا حديث الرجل القاتل للمائة التي تنازعت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب‏.‏ وحديث عبادة بن الصامت المذكور قبله فإنهما يلجئان إلى المصير إلى ذلك التأويل ولا سيما مع ما قدمنا من تأخر تاريخ حديث عبادة ومع كون الحديثين في الصحيحين بخلاف حديث أبي هريرة ومعاوية وأيضًا في حديث معاوية نفسه ما يرشد إلى هذا التأويل فإنه جعل الرجل القاتل عمدًا مقترنًا بالرجل الذي يموت كافرًا ولا شك أن الذي يموت كافرًا مصرًا على ذنبه غير تائب من المخلدين في النار فيستفاد من هذا التقييد أن التوبة تمحو ذنب الكفر فيكون ذلك القرين الذي هو القتل أولى بقبولها‏.‏

وقد قال العلامة الزمخشري في الكشاف‏:‏ إن هذه الآية يعني قوله ‏{‏ومن يقتل مؤمنًا‏}‏ فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ قال‏:‏ ومن ثم روي عن ابن عباس ما روي من أن توبة قاتل المؤمن عمدًا غير مقبولة‏.‏ وعن سفيان كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له وذلك محمول منهم على الإقتداء بسنة اللّه في التغليظ والتشديد وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة وناهيك بمحو الشرك دليلًا ثم ذكر حديث‏:‏ ‏(‏لزوال الدنيا أهون على اللّه من قتل رجل مسلم‏)‏ وهو عند النسائي من حديث بريدة‏.‏ وعند ابن ماجه من حديث البراء‏.‏ وعند النسائي أيضًا من حديث ابن عمر‏.‏ وأخرجه أيضًا الترمذي‏.‏

وأما حديث واثلة بن الأسقع الذي ذكره المصنف في الرجل الذي أوجب على نفسه النار بالقتل فأمرهم صلى اللّه عليه وآله وسلم بأن يعتقوا عنه فهو من أدلة قبول توبة القاتل عمدًا ولا بد من حمله على التوبة فإذا تاب القاتل عمدًا فإنه يشرع له التكفير لهذا الحديث وهو دليل على ثبوت الكفارة في قتل العمد كما ذهب إليه الشافعي وأصحابه‏.‏ ومن أهل البيت القاسم والهادي والمؤيد باللّه والإمام يحيى وقد حكى في البحر عن الهادي عدم الوجوب في العمد ولكنه نص في الأحكام والمنتخب على الوجوب فيه وهذا إذا عفا عن القاتل أو رضي الوارث بالدية وأما إذا اقتص منه فلا كفارة عليه بل القتل كفارته لحديث عبادة المذكور في الباب‏.‏ ولما أخرجه أبو نعيم في المعرفة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ القتل كفارة‏)‏ وهو من حديث خزيمة بن ثابت وفي إسناده ابن لهيعة قال الحافظ‏:‏ لكنه من حديث ابن وهب عنه فيكون حسنًا‏.‏ ورواه الطبراني في الكبير عن الحسن بن علي موقوفًا عليه‏.‏

وأما الكفارة في قتل الخطأ فهي واجبة بالإجماع وهو نص القرآن الكريم‏.‏